اسحاق عليه السلام

 -


اسحاق عليه السلام



بعد تضحية السيدة سارة ومُساهمِتها في تحقيق رغبة سيدنا إبراهيم في إنجاب ولد يكون له ذُرية صالحة ويحمل معه همّ الدين

[لما وَهبتله ستنا هاجر فـ إتجوزها ورُزِق منها بسيدنا إسماعيل زي ماحكينا في قصة أبو الأنبياء]

ربنا كافئ ستنا سارة وعَوّضها

التعويض والمكافئة ماكانِتش بس على صبر ستنا سارة وإيثارها

إنما كانت كمان مُكافئة كبيرة لسيدنا إبراهيم بعد ما صِبر على الإختبار العظيم [ في أمر الله بـ ذبح ابنه إسماعيل زي ماحكينا في قصة أبو الأنبياء]

مَن ترك شيئاً لله عوضه الله خير .. وأبو الأنبياء إبراهيم ترك أغلى ما يملك تنفيذاً لأمر الله , ولده الوحيد إسماعيل , إللي كان على إستعداد تام للتضحية به إرضاءًا لله من دون حتى مايعرف الحِكمة من الأمر ده!

فـ كان التعويض بدل الخير خيرين

• خير في إن ربنا حفظ له ابنه إسماعيل وفداه بكبشٍ عظيم ..

• وخير في إن ربنا زاده من فضله ورزقه ابن جديد رغم كِبر سنه ورغم عُقم زوجته ساره

الابن الجديد كان سيدنا إسحاق .. الابن إللي حتى خَبر الحمل بيه ماكانش عادي

ربنا توّج الحَدَث بـ إن إللي بلّغهم بالخبر كان ملائكة مُرسلين بالبُشرى مُنَزّلين..

فكان موقف فريد ونادر , المُبشّرين بالخبر ماكَانوش خُبراء مِن حُكماء أو أطباء زي أي حَمل بيتم مَعرفته عن طريق الطبيب

دول مش أطباء , دول مش بشر , دول مش من الدنيا أصلا , دول ملائكة من السما ربنا باعتهم مخصوص عشان يبشرّوهم البُشرى العظيمة دي ..قبل حصولها بزمن!

بُشرى بـ طفل اسمه إسحاق , هيكبر ويبقى ابن صالح , هيبقى نبي كريم, وهيبقى من ذُريته أغلب الأنبياء والمُرسلين ..

فـ يكون التعويض الأمثل لصبر سارة وتضحية إبراهيم ..

الملائكة لما جت لسيدنا إبراهيم كانوا على شكل بشر عشان مايخافش منهم

فإستقبلهم أحسن إستقبال وإستضافهم في بيته وأكرم ضيافتهم .. ذبح لهم عجل سمين من أحسن الماشية الي عنده , شواه وعمل منه أكل كتير وقدّمه لهم ..

(وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) .. [آية 69 : سورة هود] ..

حَنِيذٍ يعني مشوي

( فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُون) [ سورة الذاريات]

[.. قال العلماء عن الآية دي إنها بتلخّص أداب الضيافة بكل بساطة وإيجاز وبلاغة :

• سيدنا إبراهيم جاب لهم الأكل فوراً وبسرعة ومن غير حتى ما يشعروا " فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ"..من غير ما يتمنن عليهم أو يحرجهم بسؤال (أجيب لكم أكل؟)

• جاب لهم أحسن حاجة عنده .. هو كان أغلب ماله أبقار فإختار أحسن عِجل عُمره مناسب ولحمه كتير وقدّمه للضيوف

• قرّب لهم الأكل لحد عندهم .. بدل مايحطوا على سُفرة ويقول لهم هُمَّ يقرّبوا , فـ نلاحظ لأي درجة كان بيتودد ليهم ويتجنب إحراجهم! ..

• ما أمرهمش بطريقة جافّة وصارمة , بالعكس ده عرض عليهم الأكل بكل لطف وتودد قالهم " أَلَا تَأْكُلُون"؟ ]

لكنه لاقاهم رغم شِدّة لُطفه معاهم لا عايزين ياكلوا ولا يقرّبوا [وفي عُرفهم : إللي مايرضاش ياكل من أكل بتقدّمه ليه يبقى ناوي يئذيك , لإن اللي هيقدّم لك أكل وتاكله فهو أحسن إليك , وفي الفِطرة كلنا مخلوقين إن الجزاء الطبيعي عن الإحسان هو رد الجميل والإحسان , بالتالي , أي حد ناوي لك على شر مش هيسمحلك تحسن إليه لإنه مش هيحب يكون جاحد لإحسانك السابق عليه.]

فـ إبتدا سيدنا إبراهيم يقلق منهم وخاف من تصرّفهم وكتم خوفه عنهم.. {فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} .. [آية 70 : سورة هود]

لما هُمَّ حسوا إنه إبتدا يخاف كشفوا له عن شخصياتهم .. قالوله إنهم ملائكة مُرسلين من ربه لقوم لوط [عشان ينفذوا العذاب زي ماحكينا في قصة سيدنا لوط ] .. {قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ} .. [آية 70 : سورة هود]

طمّنوه إن ربنا أرسلهم يبشرّوه بطفل جديد اسمه إسحاق ومن بعده هيكون له منه حفيد اسمه يعقوب .. {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} .. [ آية 28 : سورة الذاريات]

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.. [آية 71 : سورة هود]

[ - فَضَحِكَتْ .. قيل إنها لما سمعت إنهم ملائكة من ربه ضحكت سروراً وشعوراً بالأمان.

وقيل لما رأت سيدنا إبراهيم قد اطمئن وذهب عنه الخوف ضحكت فرحاً لزوال خوفه عليه السلام.

وقيل إنها لما سمعت عن عذاب قوم لوط ضحكت من باب الاستبشار لكثرة فساد قوم لوط وعَظمة كُفرِهم وعِنادهم.

وقيل إنها كانت ضِحكة تعجّب مِن مصير قوم لوط إللي في الوقت ده كانوا في مُنتهى الغفلة عن العذاب اللي مستنيهم ومُتوَجّه إليهم.

وقيل إنها توقعت مُسبقاً أن الله سيُرسل العذاب لقوم لوط وأخبرت بذلك سيدنا إبراهيم , فلما جاءت الملائكة بمثل ما تَوقعته هي ضحكت فرحاً لأن كلامها وتَوّقعها وافق حُكم الله.

- في تفسيرات عن حادثة الذبح والرؤيا بتقول إن المقصود بالذبح كان سيدنا إسحاق مش سيدنا إسماعيل! , وإن سيدنا إبراهيم كان هيذبح إسحاق وربنا فداه بالكبش العظيم..

الآراء دي بنتأكد من خطأها بالآية إللي فاتت دي .. لإن الملائكة لما بشرّوا سيدنا إبراهيم كانت البُشرى تتضمن حفيده يعقوب كمان .. فـ مش منطقي إن ربنا يؤمره بذبح إسحاق رغم إنه قبل ولادته بشرّه بإنه هيكون له حفيد منه اسمه يعقوب .. بكده بنتأكد إن الي كان مع سيدنا إبراهيم في حادثة الذبح كان بالتأكيد الابن التاني وهو سيدنا إسماعيل ..]

سيدنا إبراهيم إندهش من البُشرى لإن بالمَنطق والأسباب الطبيعية إستحالة راجل في سِنه وحالته يجيب طفل جديد [ يُقال إنه ساعتها كان اقرّب على 100 سنة أو تجاوزها] ..

الإندهاش ماكنش من سيدنا إبراهيم لوحده , زوجته سارة كمان كانت سامعة الحوار ده كله , فإستغربت وضربت خدها أو بالأصح لطمت لا إرادياً من الصدمة "صَكَّتْ وَجْهَهَا "

تحمَل في طفل إزاي وهي كانت في عِزّ شبابها عقيمة مابتخلّفش , دلوقتي زاد على العُقم إنها أصبحت عجوزة ما تستحملش آلام الحمل والولادة ..

رد الملائكة كان بإن الموضوع أمر ربّاني فهو القادر الوَهّاب , وهو العليم بـ إللي يستحقوه من كرامات ومُعجزات , الحكيم في أفعاله وأقواله , الحميد الي يستاهل الحمد على جميع نِعَمه ورحمته, والمجيد الي يستحق التمجيد والثناء والتكريم

(قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) .. [ سورة هود]

(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) .. [ آية 30 : سورة الذاريات]

وقد كان .. مافاتش وقت كبير كانت البشرى إتحققت وسيدنا إسحاق إتولد.

_

• في القرآن ربنا ما ذكرش أي تفاصيل عن سيدنا إسحاق غير موقف ولادته .. إجمالي الآيات الي إتذكر فيها هي 16 آية .. أغلبهم بيأكدوا على فضله ومكانته وبيوصفوه بالصلاح وبينسبوا ليه البركة وبيعرّفونا إنه كان نبي وأُنزل عليه الوحي زي باقي الأنبياء

(قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) .. [البقرة: 133]

(وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) .. [البقرة: 136]

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى) .. [البقرة: 140]

(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) .. [آل عمران: 84]

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى ) .. [النساء: 163]

(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا ) .. [الأنعام: 84]

(فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) .. [هود: 71]

(كَمَا أَتمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ) .. [يوسف: 6]

(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) .. [يوسف: 38]

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) .. [إبراهيم: 39]

( وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً) .. [مريم: 49]

(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً) .. [الأنبياء: 72]

(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) .. [العنكبوت: 27]

(وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ) .. [الصافات:112]

(وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ) .. [الصافات: 113]

(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) .. [صّ: 45]

• أما ذِكره في الأحاديث ففي حديث عن حبيبنا النبي عليه الصلاة والسلام كان بيمدح فيه 4 أنبياء من ضمنهم سيدنا إسحاق .. قال : (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)

الأربعة دول هُمَّ 4 أنبياء ورا بعض على طول , كل واحد فيهم أب للتاني , فهي سلسلة مُتتالية بتبدأ من سيدنا إبراهيم الي أنجب ابنه إسحاق الي خلّف سيدنا يعقوب الي هو أبو سيدنا يوسف ..عليهم السلام جميعا ..

لو دوّرنا في الأنبياء كلهم مش هنلاقي 4 ورا بعض بالتقارب ده وبصِلة القرابة من الدرجة الأولى بالشكل ده!

_

التكريم في الحديث ماكانش بس لسيدنا إسحاق , إنما كان بيشاركه في المديح ابنه يعقوب

سيدنا إسحاق رُزق بطفلين توأم , سمّى الأول عيص [ أو العيص أو يُقال عيصو] والتاني سمّاه يعقوب [يُقال لإنه جاء في عقب أخيه] .. سيدنا يعقوب هو إللي الملائكة لما بشّرت بيه جده إبراهيم

وفعلا عاش سيدنا إبراهيم لحد ما ابنه اسحاق كبر واتجوز وخلّف سيدنا يعقوب.

_

سيدنا يعقوب لما كبر ساب أرض كنعان [ فلسطين] الي كان عايش فيها أبوه إسحاق وأهل سيدنا إبراهيم .. سافر منها وراح يعيش عند خاله في بلد اسمه حران [في العراق / بلد سيدنا إبراهيم الأصلية] ..

خاله ده كان عنده بنتين الكبيرة إسمها "لِيَا" والصغيرة اسمها "راحيل"

يُحكى عن راحيل إنها كانت جميلة وأخلاقها حلوة , فـ مال لها قلب سيدنا يعقوب وطلب إيدها

لكن خاله شرط عليه إنه يرعى الغنم عنده 7 سنين وبعدها هيجوزه بنته

سيدنا يعقوب نفذ الشرط أو نقدر نقول دفع المهر ورعى الغنم 7 سنين [ رعى الغنم يعني تَولّى تجارة خاله وأدار أمواله ]

بعد المُدة دي خاله فعلا عمل وليمة كبيرة وعزم الناس كلها , لكنه إستبدل العروسة فبدل ما يجوّزه راحيل , فاجئه إنه زَفّ ليه بنته الكبيرة لِيَا !

سيدنا يعقوب سأله عن السبب إللي خلّاه يعمل كده

فكان رد الخال إن في عُرفهم ماينفعش الأخت الصغيرة تتجوز قبل الكبيرة ..

وعَرض عليه لو عايز يتجوز راحيل كمان يبقى يرعى الغنم 7 سنين كمان ..[في شرعهم كان جائز إن الراجل يتجوز إتنين إخوات لكن ده أصبح مُحرّم في شرعنا]

وافق سيدنا يعقوب فـ دفع المهر مرة كمان ورعى الغنم 7 سنين

خلال السنين دي كانت لِيَا خلّفت 10 أولاد لسيدنا يعقوب .. [هُمَّ دول إخوة يوسف الغير أشقاء -من أبوه- إللي غدروا بيه فيما بعد ..

ويُقال إن لِيَا أنجبت 6 أولاد بس , والـ4 الباقيين من جاريتين إتجوزهم سيدنا يعقوب فيما بعد .. فـ الله أعلم بالأصح ]

خلصت الـ7 سنين وإتجوز سيدنا يعقوب من راحيل ..

راحيل خلّفت ولد آية في الجمال اسمه يوسف .. كان طالع وسيم لـ جدته سارة زوجة إبراهيم عليه السلام الي كانت غاية في الحُسن والجمال.. [زي ماحكينا في قصة أبو الأنبياء]

إستمر سيدنا يعقوب يرعى غنم خاله 6 سنين كمان .. فكمّل الـ20 سنة في أرض حران عند خاله بيرعى ماله ويكبّره ليه

بعدها إستأذن من خاله إنه عايز يروح لأهله يطمن عليهم

خاله وافق لإنه قدّر كل شيء سيدنا يعقوب قدّمه من ساعة ما أدار أمواله فـ كان سبب رئيسي في زيادتها , وبالتالي , كـ مُكافئة على مجهوده , خاله عَرض عليه يختار ما شاء من المال والأغنام وياخده معاه في سَفره .. [ فـ يُقال إنه سافر بـ غنم يُعادل نتاج عام كامل ]

راح سيدنا يعقوب هو وأهله لـ بلدة حبرون الي كان عايش فيها أبوه إسحاق وأخوه العيص [ اسمها حالياً الخليل / في فلسطين]

قعد معاه فترة و رُزق بطفل تاني من راحيل سمّاه بنيامين [ شقيق سيدنا يوسف]

_

سيدنا يعقوب إتسمى بـ إسرائيل .. واللفظ ده معناه صفوة الله أو على وجه الدقة "عبدالله" .. [وتفصيلها إن "إسر " يعني عبد .. و " إيل" معناه الله ..]

ربنا أكدّ على التسمية دي في القرآن الكريم .. فـ إتكلم عن اسرائيل نفسه كـ نبي من الأنبياء والمقصود بيه كان يعقوب عليه السلام

التسمية دي اتذكرت مرتين في آيتين في القرآن هما :

(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) .. [آية 58 : سورة مريم]

(كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) .. [آية 93 : سورة آل عمران]

إيه بقى الي حرّمه إسرائيل على نفسه ؟

القصة إن سيدنا يعقوب جاله مرض شديد [يُقال إنه عِرق النسا] فلما طال المرض وإشتد بيه الحال عاهد نفسه إنه لو ربنا شفاه هيستغنى عن أكتر طعام وشراب بيحبه , وكان أكتر أكل بيحبه هو لحم الإبل , وأكتر شراب بيحبه كان ألبانها.. فحرّمها على نفسه رغم إن الله لم يُحرّمها عليه ..

[نلاحظ إن الآية دي إتذكرت بعد قوله تعالى (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) .. فكانت مُناسبة لتوصيل المعنى , أي إن سيدنا يعقوب ترك أكتر حاجة بيحبها تقرباً لله وتَعبُداً له وزُهداً فيما يُحب من الدنيا وشُكراً لله لمّا عافاه..

وفي روايات أُخرى إن امتناعه عن الأكل ده تحديداً كان ليه إرتباط بنوع مرضه.

وقد يكون امتنع عنه من باب النَذر .. بمعنى إنه نَذر لو ربنا شفاه هيحرّم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه

لكن لو إعتبرناه نذر لازم ناخد بالنا إن النذر في الاسلام مكروه .. وإن كان سيدنا يعقوب نذر , فـ ده لإن النذر عبادة قديمة كانت جائزة في شريعتهم لكن حُكمها إتنسخ بعد كدا وأصبح مكروه في شريعتنا .. وتفصيلها إن رسولنا قال " إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" .. وبما إنه لا يتسبب في حصول الخير لك فـ يُعتبر من باب تضييع المال أو الوقت أو حِرمان النَفس مما أُحِلّ لها.. عشان كدا أصبح حُكمه مكروه ..

وناخد بالنا تاني إن الكلام ده كله للي لِسّه هيعمل نذر .. لكن لو الشخص نَذَر خلاص يبقى لازم يوفّي بـ نذره طالما ليس فيه معصية .. لإنه يُعتبر عهد قطعه على نفسه .. رسولنا بيقول " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"]

ولينا هنا وقفة مع جُملة " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"

القصة إن اليهود في عهد سيدنا النبي كانوا مُكذّبين بما وَرد في القرآن من عصيان بني إسرائيل وذنوبهم وظُلمهم الذي تَرتّب عليه عِقابهم بتحريم بعض الطيبات من المأكولات التي لم تكن مُحرّمة على مَن كان قَبلهم

اليهود إعترضوا , إدّعوا إن المُحرّمات دي كانت متحرّمة في كل الشرائع منذ زمن أبو الأنبياء إبراهيم .. لأ ومن قبل كده كمان .. منذ زمن أبو البشرية الثاني سيدنا نوح نفسه!

وبالتالي فالتحريم ده كان شيء قديم ساري على كل العصور دي , مش خاص ببني إسرائيل بسبب ظُلمهم , لإنهم أصلاً مش مُعترفين بظُلمهم ده

فـ هنا ربنا ردّ عليهم بالآية دي .. (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) .. [آية 93 : سورة آل عمران]

عشان كده نلاقيه سُبحانه خَتم الآية بـ جُملة " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"

رد عليهم وأثبت لهم صِدق الرد من خلال كتابهم نفسه .. لإنهم لو جابوا التوراة وقرأوها هيلاقوا إن المُحرّمات دي كلها كانت حلال فعلاً في زمن سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم , وإن التحريم حصل أول مرة في عهد سيدنا يعقوب لما حرّم على نفسه لحوم الإبل بإختياره بدون أمر ربّاني , ثم أتّبعه بني إسرائيل بإختيارهم أيضاً

ومن بعدها جاء التحريم بنص ربّاني حديث في عهد سيدنا موسى بعد كل الذنوب والأخطاء والكبائر اللي عملوها في عهده وعَهد مَن قبله.

_

من بعد تحريم سيدنا يعقوب الإبل وألبانها على نفسه إقتدت بيه ذُريته فـ حرّموها على أنفسهم ..

الكلام ده كله قبل ما التوراة تنزل على سيدنا موسى .. يعني بني إسرائيل استمروا في تحريم لحوم الإبل وألبانها على أنفسهم سنين طويلة لحد الجيل إللي ظهر فيه سيدنا موسى ونزلت عليه التوراة فإستمر التحريم بـ نص ربّاني صريح .. تحريمها في التوراة كان مع حاجات تانية كتير إتحرّمت على اليهود عقاباً ليهم على ظُلمهم [زي ماهنحكي في قصة سيدنا موسى إن شاء الله]

(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) .. [آية 160 : سورة النساء]

(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) .. [آية 146 : سورة الأنعام]

لكن التحريم ده كان مؤقت ومُخصص لبني إسرائيل بس .. ومن بعدها بسنين كتير ربنا أزال العقاب وجاء سيدنا عيسى يحلل بعض ما حُرّم في دين موسى .. ومن بعده كان التكريم الأكبر للمسلمين إن ربنا أحلّ ليهم كل الطيبات بإستثناء الميتة والخنزير وغيره من المُحرمات الي إتحرّمت علينا لأسباب صحية مش لـ عقاب أو حِرمان.

_

من بعد تسمية سيدنا يعقوب بـ إسرائيل أصبح اسمه بمثابة علامة , فنلاقي ربنا بيخاطب ذُرية سيدنا يعقوب بـ اسمه زي ما بيخاطب "بني آدم" بـ اسم أبوهم آدم .. وبالتالي هنلاحظ إن لفظ "بني إسرائيل" مذكور كتير جدا في القرآن .. زي مثلاً :

{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } .. [آية 40 : سورة البقرة]

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ} .. [آية 83 : سورة البقرة]

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .. [آية 211 : سورة البقرة]

{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.. [آية 12 : سورة المائدة]

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}.. [آية 70 : سورة المائدة]

_

بني إسرائيل المقصود بيهم ذُرية الـ12 ولد أولاد سيدنا يعقوب

أحياناً كان القرآن بيخصصهم بـ اسم تاني وهو الأسباط , الأسباط بمعنى الأحفاد , وهم أحفاد سيدنا يعقوب عليه السلام , ذرية أولاده الـ12 , نسل كل واحد فيهم أصبح فيما بعد يُمثـّل سبط من الأسباط , وهي قبيلة وفرقة من فرق بني اسرائيل.

_

سيدنا يعقوب لسه هـ يمُر بإبتلاءات كتير .. لكن كانت أكتر حاجة بتميّزه إنه كل ما زاد إبتلاءاً زاد صبراً وإحتساباً ..

مُعظم الإبتلاءات دي هتبان أكتر في قصة سيدنا يوسف بن يعقوب عليهما السلام ..

_

سيدنا يعقوب عند وفاته عمل زي ما جده إبراهيم سَبق وعمل , زي مايكون إفتكر مشهد وفاة جده وإقتدى بيه

هنلاقي المشهد بيتكرر وبيجمّع أولاده حواليه .. يأكد عليهم مايعبدوش من بعده غير الله الواحد الأحد ويسألهم عن قرارهم وإختيارهم من باب الإختبار و الوصية والتأكيد

(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) .. [آية 133 : سورة البقرة ]

ما سألهمش (من تعبدون من بعدي؟) .. سؤاله كان بـ(مَا) إختباراً ليهم .. وده لإن المعبودات من دون الله أغلبها جمادات .. زي الأصنام والنار والشمس والحجارة ..

فـ إجابتهم تأكدّ له إنهم عارفين ربنا كويس وهيفضلوا مُسلمين مُوَحدين من بعده على دين ربه ورب آبائه الأنبياء السابقين المُكَرّمين.


اسحق عليه السلام